فصل: فصلٌ فِي الْخَيْلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي الْغَنَمِ:

(لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ، إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا شَاتَانِ، إلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ) هَكَذَا وَرَدَ الْبَيَانُ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ.
(وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ لَفْظَةَ الْغَنَمِ شَامِلَةٌ لِلْكُلِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ.
وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا، وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالثَّنِيُّ مِنْهَا: مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ، وَالْجَذَعُ: مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إنَّهُ يُؤْخَذُ الْجَذَعُ. لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ».
وَلِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْأُضْحِيَّةَ فَكَذَا الزَّكَاةُ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا: «لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا» وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْوَسَطُ، وَهَذَا مِنْ الصِّغَارِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيهَا الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ. وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْجَذَعَةُ مِنْ الْإِبِلِ.
(وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ) لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَنْتَظِمُهُمَا، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
فصل فِي الْغَنَمِ:
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ بَيَانِ زَكَاةِ الْغَنَمِ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَنَسٍ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَوْلُهُ: وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فِيهِ سَوَاءٌ، لِأَنَّ لَفْظَةَ الْغَنَمِ شَامِلَةٌ لِلْكُلِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ.
قُلْت: الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْغَنَمِ، مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ أَنَسٍ، قَالَ: «وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعَةُ، وَالثَّنِيُّ».
قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الضَّحَايَا عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: مُجَاشِعٌ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَعَزَّتْ الْغَنَمُ، فَأَمَرْنَا مُنَادِيًا فَنَادَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مَا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُّ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةُ أَوْ جُهَيْنَةَ، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْأَضْحَى بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، أَعْطَوْا جَذَعَيْنِ، وَأَخَذُوا ثَنِيًّا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ الْجَذَعَةَ تُجْزِئُ مِمَّا تُجْزِئُ مِنْهُ الثَّنِيَّةُ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الضَّحَايَا، وَصَحَّحَهُ، وَعَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا بَأْسَ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ سِعْرٍ، قَالَ: «جَاءَنِي رَجُلَانِ، مُرْتَدِفَانِ، فَقَالَا: إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا إلَيْك لِتُؤْتِيَنَا صَدَقَةَ غَنَمِك.
قُلْت: وَمَا هِيَ؟ قَالَا: شَاةٌ، قَالَ: فَعَمِدْتُ إلَى شَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ مَخَاضًا وَشَحْمًا، فَقَالَا: هَذِهِ شَافِعٌ، وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا، وَالشَّافِعُ: الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا.
قُلْت: فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ؟ قَالَا: عَنَاقًا جَذَعَةً، أَوْ ثَنِيَّةً، فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِمَا عَنَاقًا، فَتَنَاوَلَاهَا»
، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ السَّخْلَ، فَقَالُوا: أَتَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ، وَلَا تَأْخُذُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، نَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي، وَلَا نَأْخُذُهَا، وَلَا نَأْخُذُ الْأَكُولَةَ، وَلَا الرُّبَّى، وَلَا الْمَاخِضَ، وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ: خُذْ الْجَذَعَ وَالثَّنِيَّ.
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيَّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْغِذَاءُ: بِغَيْنٍ مَكْسُورَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَمْدُودَةٍ، وَهُوَ الرَّدِيءُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا: «لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ، فَصَاعِدًا».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا إلَّا الثَّنِيُّ، فَصَاعِدًا»، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ فِي بَابِ: ثَنَا مِنْ كِتَابِهِ.
قَوْلُهُ: وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ عُرِفَ نَصًّا يَعْنِي التَّضْحِيَةَ بِالْجَذَع.
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ»، انْتَهَى.
وَفِيهِ أَحَادِيثُ سَتَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرٍو: «فِي الشَّاةِ: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً شَاةٌ»، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هِنْدٍ الصِّدِّيقِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ».
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ ثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ فِي سُنَّةِ الصَّدَقَاتِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ»، انْتَهَى.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ».
إلَى أَنْ قَالَ: «وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ»، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْزُومًا، لَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَقَرِ بِتَمَامِهِ.

.فصلٌ فِي الْخَيْلِ:

(إذَا كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»، وَلَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ»، وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ فَرَسُ الْغَازِي، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ (وَكَذَا فِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَاتِ فِي رِوَايَةٍ) وَعَنْهُ الْوُجُوبُ فِيهَا، لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ، بِخِلَافِ الذُّكُورِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ أَيْضًا.
الشرح:
فصلٌ فِي الْخَيْلِ:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى بِأَلْفَاظِهِمْ السِّتَّةِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَزَادَ فِيهِ: إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، إذْ لَوْ مَلَكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ، إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ: «لَا صَدَقَةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي فَرَسِهِ وَلَا فِي عَبْدِهِ، إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ»، وَلِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَوَائِدُ سَتَأْتِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَوَى عَنْهُمَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ الْبَصْرِيِّ ثَنَا الصَّقْرُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي الْجَبْهَةِ صَدَقَةٌ»، قَالَ الصَّقْرُ: الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْعَبِيدُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، انْتَهَى.
وَالصَّقْرُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: لَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٌ، فَقَلَبَهُ الصَّقْرُ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ، وَهُوَ يَأْتِي بِالْمَقْلُوبَاتِ، انْتَهَى.
وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ الرَّاوِي عَنْ الصَّقْرِ هُوَ الْغَسَّانِيُّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ، وَلَا فِي فَرَسِهِ شَيْءٌ»، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَقِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاذٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ وَالْكُسْعَةِ، وَالنُّخْعَةِ»، قَالَ بَقِيَّةُ.
الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، وَالْكُسْعَةُ: الْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، وَالنُّخْعَةُ: الْمُرَبَّيَاتُ فِي الْبُيُوتِ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَبُو مُعَاذٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَقِيلَ: عَنْهُ هَكَذَا، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةُ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بِهِ، وَرَوَاهُ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ أَبُوسَهْلٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرْسَلًا، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ.
قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُهُ: فَرَسُ الْغَازِي، هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ، فَقَالَ: إنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَدَقَ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَرَادَ فَرَسَ الْغَازِي، قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، انْتَهَى.
وَرَوَى أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْخَيْلِ أَفِيهَا صَدَقَةٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى فَرَسِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ. انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ حَمَّادٍ الْإِصْطَخْرِي حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ غَوْرَكِ بْنِ الْخِضْرِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ غَوْرَكٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَمَنْ دُونَهُ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يُخَالِفْهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَأَبُو يُوسُفَ هَذَا هُوَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ الْقَاضِي، وَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ، انْتَهَى.
وَفِيهِ شَيْءٌ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُ.
وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْخَيْلَ، فَقَالَ: وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا، وَلَا فِي ظُهُورِهَا، فَهِيَ لِذَلِكَ سَتْرٌ».
وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَقَّهَا إعَادَتُهَا وَحَمْلُ الْمُنْقَطِعِينَ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، ثُمَّ نُسِخَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «قَدْ عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ»، إذْ الْعَفْوُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَيْءٍ لَازِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ مَانِعِ الزَّكَاةِ بِطُولِهِ، وَفِيهِ «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَلِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُلُ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا، وَلَا فِي رِقَابِهَا»، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «فِي ظُهُورِهَا وَلَا بُطُونِهَا»، الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: «جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى عُمَرَ، فَقَالُوا: إنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا خَيْلًا وَرَقِيقًا، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تُزَكِّيَهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُ أَنَا، ثُمَّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَحْسَنَ، وَسَكَتَ عَلِيٌّ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ جِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا بَعْدَك، فَأَخَذَ مِنْ الْفَرَسِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَعَادَهُ قَرِيبًا مِنْهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَالْقِصَّةِ، وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا». انْتَهَى.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ الَّتِي يُطْلَبُ نَسْلُهَا: «إنْ شِئْت فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْت فَالْقِيمَةُ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ ذَكَرٍ فَرَسٍ أَوْ أُنْثَى».
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ يَقُولُ: ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ قَلُوصٍ، فَنَدِمَ الْبَائِعُ، فَلَحِقَ بِعُمَرَ، فَقَالَ: غَصَبَنِي يَعْلَى، وَأَخُوهُ فَرَسًا لِي، فَكَتَبَ إلَى يَعْلَى أَنْ الْحَقْ بِي، فَأَتَاهُ، وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: إنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟ مَا عَلِمْت أَنَّ فَرَسًا يَبْلُغُ هَذَا، فَنَأْخُذُ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، وَلَا نَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا، خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، فَقَدَّرَ عَلَى الْخَيْلِ دِينَارًا، انْتَهَى.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُصَدِّقُ الْخَيْلَ، وَأَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِصَدَقَةِ الْخَيْلِ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رَوَى فِيهِ جَوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ حَدِيثًا صَحِيحًا، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ، قَالَ: رَأَيْت أَبِي يُقَيِّمُ الْخَيْلَ، ثُمَّ يَرْفَعُ صَدَقَتَهَا إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، انْتَهَى.
(وَلَا شَيْءَ فِي) (الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ» وَالْمَقَادِيرُ تَثْبُتُ سَمَاعًا (إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ» يَعْنِي فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ.
قُلْت: الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ: فِيهِ الْبِغَالُ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسُئِلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ الْحُمُرِ، فَقَالَ: «مَا نَزَلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ، إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ قَبْلَ بَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَعَادَهُ فِي تَفْسِيرِ {إذَا زُلْزِلَتْ} وَأَوَّلُهُ: «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ»، إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا فِي الزَّكَاةِ، وَهُوَ حَدِيثُ مَانِعِ الزَّكَاةِ، وَأَوَّلُهُ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا»، الْحَدِيثَ، فَعَزَاهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ لِمُسْلِمٍ فَقَطْ، وَكَأَنَّهُمَا اعْتَمَدَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ هُنَاكَ، وَاخْتَصَرَ مِنْهُ ذِكْرَ الْحُمُرِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ.